vendredi 1 août 2014

علينا تقييم الديون المصرية - مقالة الشروق في 31/08/2014



 علينا تقييم الديون المصرية
 د. مهندس / طارق عزت

 بعد الأزمة المالية في عام 2008، عجزت عدة دول عن مواجهة التزاماتها المالية. وفي مقدمتهم اليونان وقبرص و أسبانيا وإيطالية وكذلك فرنسا الى حد ما. وقد عانت هذه الدول من صعوبات جسيمة 
.
 في هذا الجو من الهلع، تمكنت دولة واحدة من الصمود، الا وهي آيسلاندا.
 هذه الدولة، وشعبها الشجاع، أدركوا أن الديون كانت نتيجة عمليات غير قانونية. فنظمت آيسلاندا استفتاء أدى إلى رفض سداد الديون والحكم بالسجن على المسؤولين عن الوضع المالي السيء الذي عانت منه الدولة.

 قبل ذلك بعد سنوات، كانت الأرجنتين قد رفضت سداد ديونها، أما البرازيل فإنها هددت بالامتناع عن السداد.

 بعد الإطاحة برئيس هاييتي جان كلود دوفالييه كانت هناك نداءات بإلغاء ديون هاييتي للمؤسسات المتعددة الأطراف بحجة أنها ديون بغيضة وظالمة ويمكن لهاييتي استخدام هذه الأموال بطريقة أفضل في خدمات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية الأساسية. وفي فبراير من عام 2008 صدر قرار إلغاء ديون هاييتي.

 في ديسمبر 2008، أعلن رافائيل كوريا رئيس جمهورية الإكوادور أن الديون الوطنية على الإكوادور هي ديون بغيضة وغير شرعية بحجة أن الذي تعاقد عليها هو النظام السابق الفاسد والمستبد، ونجح في تخفيض الديون قبل مواصلة دفعها

 الدين البغيض) بالإنجليزية (Odious debt، المعروف أيضًا باسم الدين غير الشرعي، هو مصطلح في القانون الدولي، يشير إلى نظرية قانونية تقول بأن الدين الوطني الذي يقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الأمة لا يجوز الوفاء به. ويعتبر القانون هذه الديون ديونًا شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة. ويشبه هذا المفهوم في بعض النواحي العقود الباطلة التي توقع تحت الإكراه.

 عندما يوقع نظام مستبد عقود دين لا يكون ذلك لتلبية احتياجات أو مصالح الدولة، بل يستخدم لتقوية النظام وقمع الانتفاضات الشعبية، يكون هذا الدين مكروهًا من كل أفراد شعب الدولة. ويكون الدين غير ملزم للأمة بل هو دين للنظام، أي دين شخصي تعاقد عليه الحاكم وبالتالي فإنه يسقط بسقوط النظام. فلا يمكن أن نتوقع من أمة حررت نفسها من نظام مستبد أن تتحمل هذه الديون البغيضة التي تعتبر ديونًا شخصية للحاكم

 جدير بالذكر أن رافائيل كوريا رئيس جمهورية الإكوادور اصطدم بعداء البنوك والمؤسسات المالية الدولية والعديد من قيادات الغرب. الا انه هددهم باللجوء الي القضاء ومحاكمة الفاسدين من المسؤولين في بلده وكذلك المسؤولين الأجانب الضالعين في جريمة الفساد.

 لم ينجح رافائيل كوريا في دحر معارضيه فقط، بل استطاع بهذه الخطوة الجريئة ان يطرد الفاسدين والأفاقين، ويحتفظ فقط بالمستثمرين الجادين، الراغبين في المساهمة في تنمية البلاد.

 وهكذا تم تخفيض ديون الإكوادور الي النصف.

 لماذا لا تحذو مصر حذو الإكوادور؟

 ليس سراً أن اقتصاد مصر مريض، والحكومة المصرية، تحت ضغوط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والقوى الغربية، التي كانت تناصر الإخوان المتأسلمين، الحكومة المصرية بدأت تخفض دعم المواد الأساسية، وتجه نحو رفع الدعم عنها تماما.
 أما بعض الوزراء، الذين يعتقدون أن الشعب غبي لا يفهم، فقد صرحوا أن رفع الدعم عن المحروقات لن يتسبب في زيادة أسعار المواد الاخرى، التي ستظل اسعارها ثابتة.
 هؤلاء الوزراء ليسوا إلا من فصيلة الجاهل السياسي. يذكروني ما قاله برتولد برشت عن أمثالهم:




أسوأ الجهلاء هو الجاهل السياسي. فهو لا ينصت لأحد، لا يتكلم، لا يشارك في أحداث السياسة. هو لا يعرف أن غلاء المعيشة، سعر الخضروات والسمك سعر الدقيق، إيجار السكن، سعر الأحذية وسعر الأدوية، كلها نتيجة قرارات سياسية.
الجاهل السياسي غبي لدرجة أنه يظهر عضلاته ويفتخر بانه يكره السياسة.
 هذا الأبله لا يعلم أن جهله السياسي هو الذي ينتج العاهرات وأطفال الشوارع واللصوص وأبشع البلطجية، وفوق كل شيء السياسي الفاسد الذي يركع تحت أقدام الشركات الدولية والمحلية.



 الجاهل السياسي موجود في حكومتنا، ولكن علينا أن نتقبل الواقع وأن نتعامل معه.
 نحن نعلم أن مصر عاشت تحت نظام فاسد. ونعرف أن بعض الأثرياء اختلسوا أموال الديون، بل استولوا عليها، بدلاً من رصدها لأهدافها من مشاريع تنمية وتعاون اقتصادي.
 وقد تفاقمت الأوضاع حتى أن المواطن البسيط أدرك المهزلة، فها هو يسخر مطلقاً بعشرات النكت، كما سخر الفلاح الفصيح قبل منه بمئات السنوات.
 مصر تعتمد أساساً على مساندة المملكة العربية السعودية، أي على النظام الذي يدعم ويمول السلفيين وهلامه الدعاة المتخلفين الذين يدورون في فلكهم.
 لكسر هذا القيد، أراد الرئيس السيسي أن يحث الأثرياء من رجال الأعمال على المشاركة في المجهود الاقتصادي، فبادر بالتبرع بنصف ثروته ودخله لمصر. وحذا حذوه العديد من رجال الأعمال والآلاف من المواطنين البسطاء.
 ولكن، ماذا بعد ذلك؟ ماذا نحن فاعلون في العام القادم؟
 هل من المكن، في المدى البعيد، أن يعتمد اقتصاد دولة كمصر على معونة الوهابيين وصدقات الأثرياء؟
 إذا افترضنا أن طبقة الأثرياء تمكنت من إعادة تكوين ثروتها، فمعنى هذا انها لا زالت تنهب البلد. وإذا لم تتمكن هذه الطبقة من استرداد ثروتها، فإن الوضع سيعود إلى ما كان عليه، وتكون هذه الطبقة قد بددت ثروتها بلا فائدة وبلا مقابل.
 اقترح أن تنظم مصر تقييماً لديونها
 يقوم بهذا التقييم فريقاً مستقلاً من الخبراء الدوليين والمنظمات الدولية المتخصصة. يمكن كذلك اشراك علماء أو سياسيين أفارقه.
 المؤسسات التي استفادت من الديون يجب أن تستبعد من هذا الفريق، على سبيل المثال، يجب استبعاد البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي كذلك، لتفادي تضارب المصالح، يجب استبعاد الخبراء المصريين من هذا الفريق.
 الهدف من التقييم هو تحديد قيمة كل قرض، وشروطه وكيفية استخدام ما يخصه من مبالغ ويؤدي هذا لتصنيف الديون.
 الديون الصحيحة، التي استخدمت لتنمية البلاد، يتم سدادها. وقد يتم كذلك التفاوض على إعادة جدولتها.
 أما الديون الأخرى البغيضة، التي مولت الفساد، فتعلن مصر أنها تتبرأ منها، وأنها لن تسددها.
 هذه الخطوة سوف تأدي إلى تقليص الديون بنسبة لا يستهان بها وسوف تسمح بتمويل التنمية بما يتم توفيره من الأموال التي كانت مخصصة لسداد الديون الفاسدة، والتخطيط للمستقبل على أسس واضحة وبناءة.
 هل لمصر وحكومتها القوة الاقتصادية والشجاعة السياسية للإقدام على خطوه كهذه؟
 طرح السؤال هو أيضاً طرح الإجابة عليه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire